مشروع قانون الجرائم الإلكترونية والدليل الرقمي
إدارة مكافحة جريمة تقنية المعلومات – المباحث الجنائية
مقدمة
عُقدت الورشة لمناقشة مسودة مشروع قانون جديد يتعلق بـــ”الجرائم الافتراضية والدليل الرقمي” في ليبيا. هدفت الجلسة إلى عرض نسخة شبه منقحة من القانون، وفتح باب النقاش حولها لجمع الملاحظات من مختلف الخبراء والمختصين، بما في ذلك ممثلين عن الهيئات القضائية، والمجتمع المدني، والجهات التقنية والأمنية.
خلفية تاريخية
أوضحت الورشة أن العمل على هذا القانون ليس جديدًا؛ فقد بدأت المحاولات الأولى في عام 2008م، وقُدمت مسودات سابقة في 2009م و2015م، لكنها لم تكتمل، والنسخة الحالية هي محاولة جديدة ومحدثة تأخذ في الاعتبار التطورات التقنية والتشريعية.
الجهد البحثي
قبل صياغة المسودة، راجعت الجهة المسؤولة (إدارة مكافحة جرائم تقنية المعلومات) قوانين 22 دولة عربية، مع الإشارة إلى أن أحدثها هو القانون السوري الصادر في 2023م.
المواءمة الدولية
جرى الاطلاع على الاتفاقيات الدولية والإقليمية ذات الصلة، مثل “اتفاقية بودابست” المتعلقة بالجرائم السيبرانية، و”الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات”، إضافة إلى المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان؛ لضمان التوازن في القانون.
كلمة الجمعية الليبية لأعضاء الهيئات القضائية
ألقى ممثل عن الجمعية كلمة رسمية أكد فيها على النقاط التالية:
- الأهمية البالغة للقانون: أثنى على المبادرة، مشيرًا إلى أن الورشة تأتي في وقت حاسم نظرًا للتصاعد المتسارع في وتيرة الجرائم المرتكبة في الفضاء الإلكتروني، فقد صارت هذه الجرائم تهديدًا حقيقيًّا للأمن القومي والمجتمعي.
- أنواع الجرائم المستهدفة: ذكر أمثلة عن الجرائم التي يجب أن يغطيها القانون، مثل اختراق الأنظمة، وانتهاك الخصوصية، والاحتيال، والابتزاز، والتشهير، ونشر الفكر المتطرف.
- الدليل الرقمي: شدد على أن الدليل الرقمي بات “حجر الزاوية” في إثبات هذه الجرائم، ما يستدعي وضع آليات دقيقة لحفظه وتحليله، واعتماده وسيلة قانونية موثوقة.
- عرض الدعم والتعاون: أعلنت الجمعية عن استعدادها الكامل لدعم المشروع بتقديم الاستشارات والمقترحات القانونية، وتوفير نخبة من القضاة ووكلاء النيابة ذوي الخبرة للمساهمة في صياغة قانون عصري ومتوازن.
مبررات المسودة الجديدة ومحتوياتها (عرض من إدارة مكافحة الجرائم)
- الفجوة بين القانون والتطبيق: أوضح المتحدث أن قانون رقم 5 السابق كان به قصور، وأن بين النصوص القانونية الجامدة والوقائع العملية التي تواجههم فجوة كبيرة، فالعديد من الجرائم الحديثة ليس لها تكييف قانوني واضح.
- مواكبة التطورات: المسودة الجديدة تهدف لسد هذه الفجوة ومواكبة التطورات التقنية مثل الذكاء الاصطناعي، وأساليب الجريمة الجديدة كتغليف البطاقات المصرفية (Skimming).
- إحصائيات مقلقة: عُرضت إحصائيات تظهر ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الجرائم الإلكترونية، فقد سُجّلت 470 قضية في النصف الأول من عام 2025م، ومن المتوقع أن تصل إلى أكثر من 900 قضية بنهاية العام، مقارنة بـ 604 قضايا في 2024م.
- مواد جديدة وجرائم أضيفت: المسودة الجديدة تعالج أفعالًا لم تكن مجرّمة بوضوح في السابق، منها:
إساءة استخدام التشفير لأغراض إجرامية
- إرسال البريد الإلكتروني الدعائي غير المرغوب فيه (Spam).
- نشر الأخبار الكاذبة والشائعات.
- حيازة الوسائط التقنية المحظورة.
- الترويج الرقمي للمخدرات.
- المراهنات والقمار الرقمي.
- التحريض الرقمي.
- المسؤولية القانونية لمقدمي خدمة استضافة المحتوى المحظور.
النقاشات والملاحظات الرئيسية
ملاحظات قانونية هيكلية (قدمها د. محمد)
- تسمية القانون: اقترح تغيير اسم القانون من “الجرائم الافتراضية” إلى “الجرائم الإلكترونية”، لأن مصطلح “الافتراضية” لا يستوعب كل أبعاد الجريمة، أما “الإلكترونية” هو المصطلح الأوسع والأكثر اعتمادًا دوليًّا.
- الدليل الرقمي: انتقد فكرة إدراج “الدليل الرقمي” في عنوان القانون، موضحًا أنه أثر من آثار الجريمة ويجب تنظيم أحكامه ضمن “قانون الإجراءات الجنائية” وليس في قانون عقابي موضوعي.
- صياغة النصوص: أشار إلى أن نصوص المسودة طويلة ومفصلة بإسهاب مبالغ فيه، والقوانين العقابية يجب أن تكون موجزة وتضع قواعد عامة، وتترك التفاصيل للوائح التنفيذية لتسهيل تحديثها مع تغير التقنية.
- مسؤولية الشخص الاعتباري (الشركات والمؤسسات): انتقد القانون لعدم معالجته مسؤولية الكيانات بصورة كافية، فمن رأيه يجب أن تكون المؤسسة مسؤولة جنائيًّا عن الجرائم التي يرتكبها موظفوها لصالحها.
الوضع القانوني للقرصنة الأخلاقية
استفسرت إحدى الحاضرات عن الإطار القانوني الذي يحمي “الهكر الأخلاقي” الذي توظفه شركة خاصة لاختبار أمن أنظمتها.
- الرد:
- أوضح المتحدثون أن هذا المجال يعمل حاليًّا في “منطقة رمادية” قانونيًّا.
- جرت الإشارة إلى أن المادة 14 من المسودة قد تعالج هذا الأمر، فهي تعفي من العقوبة من ينفذ هذه الأفعال بحسن نية لأغراض الاختبارات الفنية المشروعة أو للحماية.
- كان الاتفاق على ضرورة وجود آلية واضحة لمنح التراخيص والتصاريح لهذه المهنة لتوفير غطاء قانوني وحماية لجميع الأطراف.
مخاوف بشأن حرية الرأي والتعبير (قدمها أ. رامي من مجتمع الإنترنت)
- وصف القانون بــــ”القمـعي“: أبدى قلقه من أن بعض مواد القانون، مثل المادة 39 المتعلقة بالتشهير، قد تستخدم “عصا” لقمع حرية الرأي والتعبير، خاصة ضد الصحفيين والنشطاء.
- التمييز بين الإعلام والأفراد: انتقد التفريق في العقوبة بين وسائل الإعلام المسجلة والأفراد على وسائل التواصل الاجتماعي، لأن هذا يضع المواطن العادي تحت طائلة عقوبات أشد.
- الحل المقترح: طالب بأن تكون القضايا المتعلقة بالتشهير “مدنية” (تقتصر على التعويض المالي) وليست “جنائية” (تؤدي إلى السجن).
- الرد على المخاوف: رد مقدم الورشة بأن القانون يفرق بين “النقد المهني للصفة الوظيفية” (وهو أمر مشروع) و”التشهير والسب الشخصي” (وهو جريمة)، وقال إن المشكلة ليست في القانون بقدر ما هي في ثقافة المجتمع التي تخلط بين الأمرين.
مقترح للتنسيق مع الجهات التشريعية الأخرى (قدمه د. مجدي)
اقترح ضرورة التنسيق مع “مركز البحوث القانونية والقضائية” الذي يعمل حاليًّا على تعديل شامل لـ “قانون العقوبات” و”قانون الإجراءات الجنائية”؛ لضمان دمج أحكام الجرائم الإلكترونية على نحو متكامل وتجنب تضارب التشريعات.
المسؤولية القانونية في عصر الذكاء الاصطناعي
- طُرِحَ تساؤل مهم عن المسؤولية الجنائية في حال ارتكبت آلة تعمل بالذكاء الاصطناعي (مثل سيارة ذاتية القيادة) جريمةً أو تسببت في حادث.
النقاش: من المسؤول؟ المبرمج؟ الشركة المصنعة؟ أم مالك الآلة؟
التوجه العالمي: جرى توضيح أن هذا الموضوع لا يزال نقطة بحث عالمية ساخنة، وأن التوجه الحالي يميل نحو فرض ما يسمى بــ(Human in the loop) أي وجود إنسان في حلقة التحكم، بمعنى اشتراط وجود إشراف بشري على قرارات الآلة لتحميل هذا الشخص المسؤولية القانونية.
الخلاصة والمخرجات
- المسودة ليست نهائية: جرى التأكيد مرارًا على أن هذه الورشة هي خطوة أولى، وأن المسودة المعروضة قابلة للنقد والتعديل، وستُؤخذ جميع الملاحظات بعين الاعتبار.
- أهمية التنسيق: توجد حاجة ماسة للتنسيق بين مختلف الجهات (الأمنية، والقضائية، والتشريعية، ومراكز البحوث) لإنتاج قانون متكامل وفعّال.
- تحديات رئيسية: برزت تحديات جوهرية تتعلق بضرورة الموازنة بين مكافحة الجريمة وحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير، إضافة إلى التحديات القانونية التي يفرضها التطور التقني السريع مثل الذكاء الاصطناعي.
- دعوة مفتوحة للمشاركة: وجّهت دعوة للحاضرين وللخبراء الآخرين لتقديم ملاحظاتهم المكتوبة للمساهمة في تحسين المسودة.